
في مشهد لم يشهده عالم الكرة السعودية من قبل، جاء موقف حارس مرمى نادي العروبة، رافع الرويلي، ليكون محور حديث الجماهير والإعلام، بعد أن أدلى بتصريحات ساخرة وغير مباشرة استهدفت عملاق العاصمة النصر. هذه الحادثة التي وقعت عقب مباراة الجولة 23 من مسابقة دوري روشن السعودي للمحترفين لم تكن مجرد رد فعل فردي، بل كانت بمثابة بيان جريء يعكس روح التحدي والثقة التي يتحلى بها الرويلي، والذي صاغ لنفسه شعارًا فريدًا يتمثل في “أنني نفسي المتنافسة مع نفسي”؛ إذ لم يكن الهدف من منافسته لأي خصم آخر، بل كان يتحدى ذاته فقط في سبيل تحقيق الأفضل.
بداية الأحداث:
بدأت الأحداث عندما سقط النصر أمام فريق العروبة بنتيجة 1-2 مساء يوم 28 فبراير 2025، في مباراة جمعتهما في إطار منافسات الدوري الذي يشهد تقلبات كبيرة في جدول الترتيب. جاء هدف الفوز لفريق العروبة بمساعدة لاعبيه الذين استطاعوا تحويل فرص اللعب إلى أهداف حاسمة، فيما استطاع النصر، الذي طالما اعتاد أن يكون من الفرق المسيطرة في البطولات المحلية، أن يتعرض لصدمة تاريخية على أرضه. هذا الفشل كان له وقع كبير على صفوف إدارة النصر التي قررت التحرك سريعًا لرفع احتجاج رسمي ضد مشاركة حارس فريق العروبة، رافع الرويلي.
الاحتجاج ضد الرويلي:
قدّم نادي النصر احتجاجه إلى لجنة الانضباط والأخلاق التابعة للاتحاد السعودي لكرة القدم، مشيرًا إلى أن مشاركة الرويلي مخالفة للوائح الاحتراف، إذ زُعم بأن اللاعب يشغل وظيفة حكومية أخرى بخلاف كرة القدم. وقد جاء هذا الادعاء استنادًا إلى أن بعض الأنظمة تُلزم اللاعبين المحترفين بالتركيز الكامل على مسيرتهم الرياضية دون انشغالهم بوظائف أخرى قد تؤثر على جاهزيتهم البدنية والنفسية خلال المباريات. وطلب النصر بموجب احتجاجه إلغاء نقاط المباراة كاملة، معتبرًا أن مشاركة الرويلي قد أضرت بمصداقية المنافسة ومنحت فريق العروبة نتيجة غير مستحقة.

قرار لجنة الانضباط:
على إثر ذلك، قامت لجنة الانضباط والأخلاق بإجراء مراجعة دقيقة لكل الوثائق والمستندات المتعلقة بتسجيل اللاعب رافع الرويلي. وبعد تحقيق معمّق، أكدت اللجنة أن جميع الإجراءات الإدارية الخاصة بتسجيله تمت وفق اللوائح والقوانين المعمول بها لدى الاتحاد السعودي لكرة القدم، مما أثبت أن الرويلي مسجل كلاعب محترف بشكل كامل ولا توجد مخالفة ترتبط بوظيفته الحكومية. وأُعلن في بيان رسمي صادر عن اللجنة أن احتجاج النصر قد قُوبل بالرفض موضوعيًا، رغم قبوله من الناحية الشكلية، كما تم اتخاذ قرار بمصادرة رسم الاحتجاج لصالح الاتحاد.
ردود الفعل الإعلامية:
هذا القرار الإداري الصادم لم يمر دون أن يثير ردود فعل عنيفة بين جماهير النصر والإعلاميين الذين أعربوا عن استيائهم الشديد من ما وصفوه بأنه تلاعب باللوائح وتضارب مصالح محتمل. فقد انتشرت تصريحات وانتقادات لاذعة من بعض الإعلاميين، حيث أشار الإعلامي محمد الدويش إلى أن رئيس لجنة الانضباط كان له تاريخ من العمل مع نادي الهلال ورفع قضايا ضد النصر، مما أوجد حالة من الشك حول حيادية القرار. وفي تغريدة عبر منصة “إكس”، عبّر الإعلامي فايز الروقي، عضو المركز الإعلامي للنصر، عن استيائه قائلاً: “كيف تريد النصر يأخذ حقه المشروع في القانون إذا كان الخصم قاضٍ سابقًا في نادي آخر؟” مثل هذه التصريحات جعلت القضية تكتسب طابعًا سياسيًا وقانونيًا يتجاوز حدود الملعب.
تصريحات رافع الرويلي:
بينما كانت الأضواء تتركز على نزاع الاحتجاج والإجراءات الإدارية، خرج رافع الرويلي بنفسه ليُظهر موقفه بشكل صريح وجريء. عبر مقطع فيديو نُشر على حسابه الرسمي بتطبيق “سناب شات”، قال الرويلي ببساطة: “أمسي على نفسي الشريفة الصبورة.. أمسي على نفسي المتنافسة مع نفسها.. اسأل الله أن يديمني ويخليني ويحفظني.” لم تكن هذه الكلمات مجرد رد فعل عفوي، بل كانت رسالة واضحة إلى جميع من حاول إسقاطه أو التقليل من قدره، مؤكداً أن الرويلي لا ينافس أي خصم آخر، بل يتحدى نفسه فقط في سبيل تحقيق التفوق. هذه التصريحات التي حملت طابع السخرية والجرأة أدت إلى إشعال جدل واسع بين المشجعين والمتابعين، حيث رأى الكثيرون فيها دليلاً على شخصية اللاعب التي تتسم بالقوة والثقة الذاتية، في وقت يحتاج فيه النصر إلى استعادة هيبته أمام منافسيه.

ترتيب الفرق في الدوري:
وفيما يتعلق بموقف الأندية من هذه القضية، تبيَّن أن النصر بعد فوزه بنقاط قليلة، لا يزال محتفظًا برصيد 48 نقطة في جدول ترتيب دوري روشن السعودي، ويحتل المركز الرابع بفارق 10 نقاط عن نادي الاتحاد الذي يتصدر الترتيب. من ناحية أخرى، ظل فريق العروبة بعد الفوز برصيد 26 نقطة في المركز الثاني عشر، مما يُظهر أن النتيجة لم تكن سوى جزء من معادلة أكبر تتعلق بإعادة ترتيب الأوراق في البطولة.
تأثير النزاعات على المنافسة:
تثير هذه الأحداث العديد من التساؤلات حول تأثير مثل هذه النزاعات الإدارية والقانونية على المنافسة الرياضية ومستقبل الدوري السعودي بشكل عام. ففي الوقت الذي يسعى فيه النصر لتحقيق أعلى المراتب والتأهل للمنافسات الكبرى، تُعد قضايا تسجيل اللاعبين والإجراءات الإدارية جزءًا لا يتجزأ من معادلة النجاح في عالم كرة القدم. فالتأكد من تطبيق اللوائح بشكل عادل وشفاف يُعد عنصرًا أساسيًا لضمان استمرارية المنافسة بروح رياضية نقية، دون أن تُخل بأي حقوق من الأندية أو اللاعبين.
الروح التنافسية وأثرها على الفريق:
من الناحية الفنية، يُعد موقف الرويلي وتصريحاته رسالة قوية تُعيد الثقة إلى صفوف فريق العروبة، وتُظهر أن الروح التنافسية الحقيقية ليست مقياسها النتائج فقط، بل أيضًا القدرة على مواجهة الانتقادات والضغوط والإصرار على تحقيق الأفضل رغم كل التحديات. في عالم يُهيمن فيه الأداء والإحصائيات، تأتي كلمات الرويلي لتُبرز أن الثقة بالنفس والتنافس الداخلي هما مفتاح التفوق في اللحظات الحاسمة.
تأثير النزاعات الإدارية على الأندية:
كما أن ردود الفعل التي جاءت من مختلف الأطراف تُظهر مدى حساسية المشهد الرياضي السعودي تجاه قضايا الاحتراف والالتزام باللوائح. إذ أن كلما زادت المنافسة على المراكز والبطولات، تزداد المخاوف من أن تُستغل الثغرات الإدارية لتغيير النتائج أو التأثير على نزاهة المباريات. ولهذا فإن قرار لجنة الانضباط برفض احتجاج النصر يُعد خطوة مهمة لتأكيد استمرارية تطبيق اللوائح دون تحيز، حتى وإن أثار ذلك استياء بعض الأندية أو المشجعين.
خاتمة:
وفي الوقت الذي يستعد فيه النصر لتقديم استئناف على القرار، تظل القضية عالقة وتُشكل محور حديث النقاد والمتابعين على حد سواء. فمن المؤكد أن هذا النزاع سيساهم في إعادة النظر في بعض الأنظمة والإجراءات المتبعة في تسجيل اللاعبين، وقد يدفع الاتحاد السعودي إلى اتخاذ خطوات إضافية لضمان مزيد من الشفافية والعدالة في المستقبل. كما أن مثل هذه القضايا قد تُحفز الأندية على تحسين ممارساتها الإدارية والاعتماد على مستندات موثقة تدعم موقفها القانوني، لتجنب أي نزاع محتمل قد يؤثر على مسار المنافسة.